بعد خطاب العرش، القوي قاموسا و منهجا
من له مصلحة في ضرب الثقة التي ولدت بين “الحقيقة الريفية المغربية” و بين الدولة بعد 1999؟
لحسن العسبي
هنا، أيها الأصدقاء مقال لي نشر اليوم بيومية ّ”الإتحاد الإشتراكي” و موقع “أنفاس” المغربيين، أحاول من خلاله تأمل واقع التحولات المغربية، قبل و بعد خطاب العرش الذي أعتبره “خطابا للأمل” مغربيا. هنا ملخض صغير لمحاور مقالي: في السياسة، ومصائر الشعوب والأمم، لا تقرأ الأحداث منفصلة أبدا، بل إن تجميع قطع “البوزل” تمنح دوما معنى ثاويا، غير معلن، يحتاج إلى الكشف و البروز، لتحقق الفهم واتضاح معالم الطريق أكثر، واحتمالات التطورات الآتية. وما يعيشه المغرب والمغاربة، منذ سنة و نصف تقريبا من تطورات متلاحقة، يقدم ما يكفي من الأدلة، على أننا في مرحلة انعطافة تاريخية جديدة، في وجودنا كأمة، بذات الشكل الذي وقع ما بعد 1844 (هزيمة معركة إيسلي أمام الجيش الفرنسي المحتل للجزائر)، ثم ما بعد 1912، وأساسا ما بعد المرحلة بين 1926 و 1930 (سحق ثورة البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي بأسلحة كيماوية ألمانية، من قبل طائرات إسبانية و فرنسية سنة 1926. ثم صدور الظهير البربري ليوم 16 ماي 1930، الذي أطلق مارد الحركة الوطنية المدينية من عقاله لأول مرة). و ليس خطاب العاهل المغربي بمناسبة عيد العرش، ليوم 29 يوليوز 2017، الذي هو “خطاب الأمة” السنوي، القوي في قاموسه و في صراحته وفي نقده، سوى عنوانا تتويجيا غير مسبوق لمعنى هذه الإنعطافة، بالمعنى الإصلاحي للمشروع الوطني المغربي المتفاعل منذ أكثر من قرن و نصف. كونه يطرح سؤال عمق دولة المؤسسات سلوكيا بالمغرب، بخلفية تربوية، تسعى إلى جعل شكل التعاقد بين الدولة و المجتمع، يتأسس على مبدأ المسؤولية و المحاسبة (أي في العمق معنى قيم المواطنة المدنية، وهذه ثقافة سياسية ذات منظومة كاملة خاصة، حداثية بامتياز). الحقيقة، أنه لا يمكن قراءة خطاب 29 يوليوز 2017، هذا، بمعزل عن خطابين آخرين للعاهل المغربي محمد السادس، هما خطاب الرياض، أثناء القمة الخليجية – المغربية، يوم الأربعاء 20 أبريل 2016، ثم خطاب أديس أبابا أمام قمة الإتحاد الإفريقي يوم الثلاثاء 31 يناير 2017. لأن الربط بين سياقات هذه الخطب الثلاث، هو الذي سيجعلنا نتلمس مدى التحديات العادية والطبيعية، التي تواجه المغاربة كأمة، كدولة، في صيرورة تطورهما ضمن فضائهما الإقليمي والجهوي والقاري، وبالإستتباع، العالمي. تفرض علينا، هذه المقاربة الشمولية، إعادة قراءة (تريد أن تكون مختلفة)، لأحداث الحسيمة. صحيح أنه لا يمكن فصلها عن “الحقيقية الريفية المغربية” التي لها شجرة أنساب معناها في التاريخ المغربي منذ القرن 15، أي منذ تاريخ إدارة ظهرنا كمغاربة لعمقنا المتوسطي. في زيارة لي منذ أسبوع إلى الشمال، وإلى منطقة الريف، أحسست أن تمة أثرا طال الثقة التي ولدت بين “الحقيقة الريفية المغربية” وبين الدولة المغربية، منذ 1999. وهي الثقة التي ولدها أساسا القرار التاريخي والإستراتيجي للدولة المغربية للعودة إلى المتوسط، بقرار ملكي وبانخراط متوثب وإرادوي لحكومة التناوب بقيادة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي. لقد لخص لي صديق مغربي، فقيه حجة، من الحسيمة مقيم بتطوان، الحكاية كلها حين قال لي:”نحن عمليا لم ننل الإستقلال سوى سنة 1999. من حينها أحسسنا أننا مغاربة مثل باقي إخوتنا المغاربة”.بالتالي، هذه الثقة، جديا، هناك من سعى و لا يزال يسعى، لهزها هناك، ركوبا على أحداث الحسيمة. إن تجميع كل هذه العناوين، هي التي تجعل تطورات الواقعة المغربية، من خلال أحداث الحسيمة، تؤكد أننا في مرحلة انعطافة تاريخية مغربية جديدة، بحسابات القرن 21. فهل يدرك العقل الجمعي للمغاربة ثقل هذه التحديات؟. إنه السؤال الوطني الذي يواجهنا جميعا، أفرادا و جماعات سياسية و جمعوية و عائلات فكرية. و أين موقع “الزفزافي” من ذلك؟. هذا سؤال الضمير الوطني. ربما أكثر من ذلك، هل نستشعر أننا أمام دورة تاريخية، جديدة، دخلناها مغربيا؟.