حرب مصالح بين المغرب و موريتانيا، تؤجج حرب المواقع حول بوابة افريقيا
سبق و أن أشرنا في تحاليل سابقة، على أن جوهر الصراع في منطقتنا ،سيكون اقتصاديا بالدرجة الأولى، يعتمد فيه كل من المغرب و الجزائر و موريتانيا على نزاع الصحراء كأداة سياسية يتم استخدامها من أجل تكريس النفوذ و تعزيز المواقع. إلا أن الجميع استهان بموريتانيا كدولة محورية في حرب المواقع، و ظل التركيز منحصرا على الصراع المغربي الجزائري حول من سيكون بوابة افريقيا الاقتصادية؟،و انعكاسات مشكل الصحراء على هذا الصراع؟ إن موريتانيا الحيادية، و ضعف قدراتها الاقتصادية، و أهمية المغرب كمورد مهم للتجارة الموريتانية، و اعتبارها محمية فرنسية، كلها عوامل جعلت القائميين على رسم معالم السياسية الخارجية في المغرب، يغفلون الدور السلبي الذي يمكن أن تلعبه هذه الدولة على مصالح المغرب، إذا ما تضررت من اتساع و امتداد النفوذ المغربي. نعم إنه صراع المصالح الذي يحكم التحالفات و يحدد المواقع و يدير التموقعات. لكن ما يثير الاستغراب هو لماذا لم يتوقع الساسة المغاربة الأثر السلبي لمشروعهم في بناء ميناء الداخلة الاطلسي على مصالح موريتانيا الإقتصادية؟ !!!!!!! إن بناء ميناء من هذا الحجم على بعض كيلومترات من ميناء انواذيبو، القلب النابض للاقتصاد الموريتاني الضعيف أصلا، كان كافيا لتعيد موريتانيا رسم تحالفاتها، و تحدد موقعا جديدا لها في صراع النفوذ بالمنطقة، و تتموقع في قلب صراع الصحراء بحكم حدودها الشاسعة مع الاقليم المتنازع عليه، و دورها التاريخي باعتبارها طرفا في اتفاقية مدريد الذي أوكل لها إدارة إقليم واد الذهب. و من أبرز تمظهرات هذه الحرب هي أزمة الكركرات، التي كانت رسالة واضحة من موريتانيا بأن قواعد اللعبة ستتغير، و قد كانت الاتفاقية التي وقعتها مع الجزائر من أجل إفتتاح المعبر البري بين البلدين المحاذي للصحراء، مؤشر لبديل محتمل عن معبر الكركرات الحدودي. في ظل الحديث اليوم عن افتتاح وشيك للمعبر الحدودي الموريتاني الجزائري، الذي سيجعل الجزائر جسرا بريا محوريا بين اوروبا و افريقيا ، و بديلا تجاريا لموريتانيا عن المغرب، مما سيجعل هذه الأخيرة توظف القوات الأممية و البوليساريو كحواجز أمام استغلالها كمعبر للنفوذ المغربي في افريقيا، و بالتالي إغلاق معبر الكركرات، و القضاء على حلم ميناء الداخلة المتوسطي، مما سينعش ميناء انواذييو كواجهة بحرية أولى لافريقيا بالمحيط الأطلسي، ينضاف إليه رواج اقتصادي و تجاري لولاية تيرس زمور الشمالية. وفق هذا السيناريو ستصطف موريتانيا إلى جانب المحور الجزائري في نزاع الصحراء، لكن ليس تبعية هذه المرة، بقدر ماهو ترسيخ لموقع محوري لها في الصراع الاقتصادي و حرب النفوذ في المنطقة. فهل ستتخلى موريتانيا عن حيادها بخصوص الصراع حول الصحراء؟ خاصة و أن موقع منطقة واد الذهب التي كانت تخضع للادارة الموريتانية يعد سببا رئيسيا في الخلاف المغربي الموريتاني،و بالمقابل هل سيعي الساسة المغاربة حجم و خطورة استهانتهم بحجم و قدرة موريتانيا كفاعل في المنطقة؟ سيبقى هذا سؤالا مفتوحا بالطبع.
أما عن دور البوليساريو و ما يمكن أن تحققه من مكاسب في ظل حرب المواقع و المصالح الجديدة؟ وهل يكرر بعض المسؤولون المغاربة نفس اخطائهم التقديرية لموقع وقدرة موريتانيا، مع العنصر الصحراوي كفاعل في النزاع، باعتباره عنصرا متجاوزا في الصراع. و إن كانت الاجابة عن هذه الاشكالات مجتمعة يلخصها المثل الحساني القائل” تحگر العين العود ال يطرفها” رغم ذلك انتظرونا مع المقال القادم الذي سيتطرق لهذه الإشكاليات بداد محمد سالم