بسم الله الرحمان الرحيم
باهي محمد أحمد الرقيبي : الليث الجريح … الكسير بقلم : عبدالله حافيظي السباعي إنه أيوب زمانه …صبر و جلد و تعلق بالدنيا ….ولد و عاش صباه و شبابه بنواحي الدار البيضاء، يقال في منطقة بوشان معقل رقيبات الداخل … إمتهن الصحافة التي لم توفر له لا لقمة العيش الرغيد … و لا راحة البال … و لا جمال الملبس و المسكن …. و لا طمأنينة القلب لأنه بذكر الله تطمئن القلوب … كانت تربيته إسلامية لأنه حفظ القرآن الكريم في صباه، و كل من حفظ القرآن يكون نابغا في أي علم اتجه إليه .. إنه سر كتاب الله العظيم الذي لا سر قبله أو بعده….بداية الثمانينات من القرن الماضي كان يتخافى علي مع باهي الموريتاني، بن آخت الزعيم حرمة ولد بابانا، و الذي جاء شابا يافعا من “المجابات الكبرى” باحثا عن المجهول، ليلقى مصيره المحتوم … أما باهي محمد احمد المغربي فهو بن بوشان، من رقيبات الداخل، الذين يحنون إلى الماضي في كل شيء. او “شليحات مولانا”، كما يطلق عليهم أبناء عمومتهم من ابناء الصحراء الأصليين “صنصادو” ….أما باهي الموريتاني فقد انغمس في حزب الاتحاد الاشتراكي حتى الثمالة … تشبث بالأفكار الاشتراكية حتى النخاع، و بالثورة العربية التي قادته إلى العراق، الذي قضى به ردحا من الزمن، ليستقر به المقام في الجزائر يحلم مع الحالمين، مع ثوار سرقوا ثورة المليون شهيد…شهداء ثورة لا زلت تبحث عن نفسها، و لم توفر لأهلها و لمن ضحى من أجلها إلا الويل و الثبور …. كنا نقرأ لباهي شنقيط مقالات مهمة تحملها لنا رسالة باريس كل صباح أربعاء …. كنا نشتري جريدة المحرر و الاتحاد الاشتراكي يوم كان رئيس تحريرها المناضل الحقيقي عبد الرحمان اليوسفي، هذا المناضل الفد الذي أبدع في كل المجالات حتى في مجال خيانة الوطن في زمن كانت فيه الخيانة شريفة…. نجح في المجال السياسي و في مجال المقاومة، و في زمن الاستعمار و أيام الاستقلال و تقلد المراتب و الكراسي إلى أن أصبح وزيرا أولا في زمن الملك الحسن الثاني الذي أطلق عبارة السكتة القلبية لكي يسكت الاتحاديين و يدجنهم و يدخلهم بيت الطاعة و حلاوة الكراسي الوثيرة، ليلفظهم التاريخ بعد حين لأنهم نسوا النضال الحقيقي و انغمسوا في دنيا الملذات و باعوا أملاك الشعب تحت ذريعة الخوصصة أو الخصخصة على حد تعبير الوزير الذي مسخ الله ونعلو … المهم من كلامي أن باهي الشنقيطي نادى عليه اليوسفي لكي يتولى حقيبة الإعلام ليموت داخل الوطن، و الموت باب كل الناس داخله …فيا ليت شعري بعد الباب ما الدار …الدار دار نعيم إن عملت بما يرضي الإله و إن خالفت بالنار….هما محلات ما المرء غيرهما ….فاختر لنفسك أي الدارين تختار.
رحم الله باهي شنقيط الذي احبه الجميع و الذي ترك كتبا اهمها ذاكرة الرمال التي قال فيها في بعض القبائل ما لم يقله مالك في الخمر و روى على لسان السباعي ما لم يرويه البخاري من احاديث صحيحة التي أصبح بعض ضعاف العقول يشككون فيها … أما باهي المغرب فقد بقي يبحث عن نفسه في دنيا الملذات في مدينة الدار البيضاء، مدينة سيدي بليوط، نفعنا الله ببركته، هذه المدينة كرش بقرة بعين ذيبها و عين سبعها… و العيون التي ليس في طرفها حور … كان يكتب مقالات مدبلجة في أسبوعية التحدي التي لم نعد نسمع لها أثرا و لا نعرف عن مديرها أربعي أي شيء، هل لا زال على قيد الحياة أم غادرنا إلى دار البقاء …؟؟؟؟ و في وسط الثمانينات من القرن الماضي، سمعنا أن باهي المغربي القي عليه القبض في تيندوف بسبب جريمة ملفقة على أنه جاء لاغتيال زعيم الانفصاليين محمد عبد العزيز الرقيبي …سبحان الله رقيببي جاء لقتل رقيبي ابن عمه …هذه القبيلة التي كتب الله عليها أن يرتبط تاريخها بالقتل طيلة العهود الماضية و المستقبلية … نسي الجميع باهي المغرب الذي بقى مسجونا عند ابناء عمه في مجابات الحمادة … و ظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند ..إلى أن أطلق سراحه ضمن اتفاقية الهلال الأحمر العالمي الذي أطلق مساجين الصحراويين الانفصاليين في المغرب و أطلق سراح الأسرى المغاربة لدي الصحراويين في الجزائر و كان من ضمنهم أخونا باهي المغرب… عاد إلينا و العود أحمد، نحيف الجسم، جاحض العينين من سوء حظه انه جاء مع الأسرة العساكر، و لهذا تم إهماله لان العسكري العائد من الأسر دائما يكون محقورا لان الجبان هو الذي يقع في الأسر… في عرف العسكر … لم تهتم الدولة المغربية بباهيها، و لم تعامله كباقي الصحراء العائدين إلى الوطن تلبية لنداء الملك الحسن الثاني إن الوطن غفور رحيم. .. العائدين من تندوف الذين حملوا السلاح ضد المغرب منحت لهم كل الامتيازات من سلم إداري رفيع و سكن مجهز فسيح لوكالة … فأنت إذا أردت أن يكرمك البصري و بنهاشم و علبوش و زمراك …و … عليك إن تحمل السلاح ضد المغرب، و تقتل عدة جنود مغاربة لكي يحتفلوا بك عند عودتك المظفرة … فبقدر ما تحسن إلى هذه الدولة تسيء اليك … و بقدرما تسيء إليها تحسن إليك … فسبحان الله و في خلقه شؤون …. أما باهي المغرب فأخذ يبحث عن حياة جديدة عانى فيها الأمرين من جراء ضيق ذات اليد و إهمال الوطن له.حاول بكل السبل خدمة الوطن عبر تشويه سمعة ابناء عمومته في تيندوف. …تملق للقاصي و الداني جريا وراء الشهرة و أطماع الدنيا … كنت التقي معه لماما في منزل ابن عمه المذيع المشهور حسن علي عبد الله الذي أطلق على المغاربة جميعا لفظ أمغيغات ….كان رحمة الله عليه يحافظ على جذوة النضال أيام الاستعمار الإسباني بالصحراء المغربية الغربية …اما باهي المغرب بقي يجر ذيول التعذيب من طرف إخوانه و أبناء عمومته في عوينت بلكرع بصحراء الحمادة … انتقل حسن على عبد الله إلى دار البقاء و لم يعد يذكره احد، لا بالخير و لا بالشر، حتى تسجيلاته لا احد يستطيع سماعها لأنها كانت كلها ضد المغرب … أما باهي المغرب فبقي يعاني من المرض و نحافة الجسم حتى أسنانه المصطنعة لم يعد فكه يتحملها و لا ركبتيه التي استعان عليهما بعكاز كل ذلك من جراء سوء الحال و المآل …. مرض باهي المغرب و لم يترك مستشفى و لا عيادة إلا ارتادها على حسابه و على حساب الدولة و الملك و الأصدقاء، الى ان وافاه الاجر المحتوم يوم الاثنين خامس فبراير 2018، لكي يصلى عليه صلاة الظهر، يوم الثلاثاء سادس فبراير 2018، و يدفن في موكب رهيب في مقبرة الشهداء …. بعد الصلاة على الجنازة جنازة رجل، لا يحق للامام ذكر اسمه و لا نسبه، أخرجت الجنازة من المسجد، و وضع في سيارة نقل الموتى من مسجد باب العلو في اتجاه مقبرة الشهداء … سرنا راجلين وراء النعش صوب المقبرة.كانت زخات المطر تجود بها السماء، أدخلني حفيد الجماني، النائب البرلماني، الحاج إبراهيم ولد محمد علي تحت مظلته إتقاء للمطر الذي يتهاطل … تجاذبنا أحاديثا حول السياسة و البلدية … و نسينا أننا وراء جنازة علينا ترديد الصلاة على النبي إلى أن تصل المقبرة على عادة أهل البلد … جمع غفير من المواطنين صاحب الجنازة إلى مثواها الأخير يتقدمهم رئيس الحكومة السابق المثير للجدل بنكيران الذي يظهر انه أصبح متفرغا لتأبين الموتى لما في السير وراء الجنائز من خير في الدنيا و الآخرة … لم يحضر جنازة باهي المغربي أي فرد من أفراد حكومة العثماني رغم أن جميع وسائل الإعلام تكلمت عن وفاته طيلة مساء يوم الاثنين … حضور الصخفيين كان وازنا يتقدمهم رئيسهم مجاهد .. اخبرني قيدوم الصحفيين في الصحراء المغربية الغربية السيد شداد بمرارة أن الصحفيين هم من جمعوا المال لتأدية واجبات الاستشفاء لمصحة بوسيجور … ابن بنكيران المرحوم بكلمة امتجزت فيها السياسة بتعابير صادرة من قلب مكلوم يتأسف على ماضي لن يعود … نفس الشئ أبن نقيب الصحفيين مجاهد رفيقه القديم باهي المغربي، و وعد الجميع انه سيحافظ على أرشيف و ذكريات الصحفيين الذين لبوا داعي ربهم … أتمنى من كل قلبي أن لا ينسى باهي شنقيط لان ما خلفه من كتب يستحق الجمع و الطبع و التمحيص … طلب بنكيران مازحا كعادته من مجاهد أن لا ينسوا الاهتمام به إذا انتقل إلى دار البقاء … بنكيران يبحث عن الشهرة حيا و ميتا …. بعض الصحراويين ممن يربطهم بالفقيد النسب و الصداقة حضروا الجنازة، كان أبرزهم نذير الأمن السابق لدى الانفصاليين، الوالي بوزارة الداخلية المغربية حاليا الأستاذ محمد علي العظمي، المعروف بعمر الحضرمي، هذا الشخص المتميز المعروف بوفائه لكل محطات حياته فقد عمل بتفان مع الانفصال، و عندما عاد سنة 1988 إلى ارض الوطن ترمك جرحا غائرا في جسم الانفصاليين لا زال لم يندمل، و عندما لبى نداء الوطن عاد و اخلص في عمله في كل العمالات و الوليات التي عمل بها و الجميع يذكروه بالخير أينما حل و ارتحل … أسدى إلي معروفا لن أنساه عندما كان شقيقي لمام مندوبا للسياحة بولاية سطات، أكرم وفادته و أعلى شأنه بين أقرانه، و كان يزور المرحومة والدتي عدة مرات و يكرمها إكرام أبناء الأبرار… كما يرجع إليه الفضل في تسجيل ابني و فلذة كبدي محمد محمود في ماستر المدرسة العليا للتسيير بسطات، جزاه الله حيرا و إحسانا، و متعه بالصحة و العافية لكي يساهم في ترسيخ الديمقراطية في المغرب، على العمومّ، و في الصحراء، على الخصوص… فرغم أن فيضانات أم العشار حاول البعض إغراقه فيها إلا انه سينتفض كطائر الفينق في المستقبل القريب … فإما أن تسند إليه مهمة سامية تليق بمقامه أو يدخل غمار السياسة من بابه الواسع … و على كل حال فهو سيد سواء عمل في الإدارة أو في السياسة …. الغائب الكبير هو الكركاس و رئيسه و حاشيته …. السيد خليهن ولد الرشيد، رئيس المجلس الملكي الصحراوي، لا يمكن أن تفوته هذه المكرمة، و أنا اعرفه حق المعرفة، و الغائب حجته معه … إلا أن محيط السيد خليهن الذي أصبح يتكون من السباع المزورين، و أقلام بلا حظ مغزل، جعلته يتخلف في كل المجالات، فسبحان مبدل الأحوال من حال إلى حال …. رحم الله محمد احمد باهي و اسكنه فسيح جناته مع النيئين و الصديقين و الشهداء و الصالحين، و حسن أولائك رفيقا .. و الهم ذويه و أهله الصبر و السلوان و إنا لله و إنا إليه راجعون …. و حرر برباط الفتح في غرة يوم الأربعاء سابع فبرائر 2018
Abdallah HAFIDI Sbai