خبير اقتصادي:لهذه الأسباب الموضوعية يجب أن تسقط حكومة العثماني على وجه السرعة

2٬494 مشاهدة

إبراهيم حركي

لم تكد تمر أشهر على تشكيل حكومة سعد الدين العثماني حتى بدأت تظهر معالم تخبط و شلل شبه عام في تصورات السياسات القطاعية بل و ردة كبيرة و عميقة مع كل الإصلاحات التي راكمتها حكومات التناوب. من القوم من يرجع ذلك إلى جينات الولادة الهجينة لهذه الحكومة و الاختلاط “الكيميائي” غير المنسجم بين عناصر التفاعل المفروض فيها الانسجام و التكامل لإعطاء انطلاقة حقيقية للتنمية الشاملة، و منهم من يرى أن السياسة طغت على السياسات العمومية و افقدتها التوازن، و آخرون يرون أن قيادة الحكومة و وزراء البيجيدي تحديدا ليست لهم أي رؤية اقتصادية او اجتماعية و استسلموا كليا لتوجهات الليبرالية الفاحشة، غير أن محدثنا و هو أحد خبراء السياسات العمومية لدى الحكومة يرى أن هذه الحكومة مطوقة بسلبيات و مساوئ حكومة بنكيران الثانية في ما يتعلق بالاختيارات في القطاعات الاجتماعية و الاقتصادية.

مصدرنا الذي شدد على عدم ذكر اسمه و صفته نظرا لموقعه في إعطاء الاستشارة و الخبرة لدى الحكومة، أصر على أن تخبط الحكومة “أمر مريب”، مشككا في النوايا الحقيقية لكل مساعي الإصلاح، متسائلا “هل يمكن أن نقنع أنفسنا بأن الحكومة مأمورة لما تقوم به أم أن هناك تآمرا من نوع ما للزج بالدولة و البلاد ككل في وحل الاحتجاجات  و في منطق تفكيك و تحلل مؤسسات الدولة؟؟أم هو مجرد غباء و ضعف تكويني لدى قيادة الحكومة و لدى الحزب الأول حزب العدالة و التنمية لكونه يساهم في تنزيل مخطط جهنمي لإضعاف الدولة بدون وعي حقيقي؟” ليجيب نفسه بطرح أهم ملفات الردة الإصلاحية القطاعية بدون الخوض في كثير من السياسة.

الملف الأول يتعلق بالمحروقات و التحايل على إجراء المقايسة الذي تبنته حكومة بنكيران في نسختها الأولى، و الذي تأسس على عدة عناصر، أولها التخفيض من عبء صندوق المقاصة ثم ضرورة مساهمة المواطن في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و خصوصا عن طريق تحويل الأرصدة إلى صندوق جديد و هو صندوق التماسك الاجتماعي. هنا يقف الخبير المتحدث عند الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة تحت الرئاسة الفعلية لبنكيران و هو تنفيذ إجراء المقايسة على ألا يتعدى ثمن البنزين تسع دراهم و نصف للتر، و في حال تجاوز هذا السقف على الدولة أن تتدخل لسداد الفارق نيابة عن المواطن حفاظا على قدرته الشرائية مع ضرورة تعويض أرباب النقل حتى لا تعرف البلاد زيادات في واجبات التنقل بشكل عشوائي و فوضوي و سيادة قانون الغاب ضد المواطن. مع نهاية عهد بنكيران و بداية جولة العثماني تم ضرب كل الاتفاقات السابقة بخصوص المقايسة عرض الحائط و التخلي عن كل الالتزامات السابقة، و هي التزامات موثقة في محاضر وزارة الاقتصاد و المالية و رئاسة الحكومة و وزارة الحكامة و الشؤون العامة، لتعم بعد ذلك الفوضى في تدبير أثمنة المحروقات أمام سكوت الحكومة المريب.

الملف الاجتماعي الثاني الأكثر أهمية و تأثيرا على القدرة الشرائية هو “الشعبوية في تدبير دعم المواد الأساسية ومن أهمها السكر و البوطا غاز”. لم يتردد مصدرنا في اتهام لحسن الداودي وزير الحكامة ” بالكذب و تغليط الرأي العام عندما قال أن سنيدة السكر لا يستهلكها و لا يستفيد منها إلا الأغنياء”. و بهذا الخصوص أكد المصدر أن وزارة الداودي تتوفر على دراسة موثقة تضع سنيدة في أول قائمة مادة السكر الأكثر استهلاكا في المغرب، خصوصا في العالم القروي. مضيفا أن كبريات الشركات ترجع الفارق للدولة مائة في المائة، خمسون بالمائة تحويلات مالية لخزينة الدولة و الخمسون الأخرى عبارة عن رسوم و ضرائب، “وبهذا الصدد يمكن استفسار جمعية الشركات المنتجة للمشروبات الغازية” حسب تصريحه.

و في هذا السياق كشف المصدر أن شركة كوكا كولا مثلا تسوق أربع أضعاف منتجاتها في الجزائر مقارنة مع المغرب، و مع ذلك تحتفظ بمصانعها بالمغرب و تحديدا بطنجة، متشائما من مستقبل بقائها في المغرب، و معتقدا أن في حالة خروجها من المغرب سيسرح الآلاف من العمال و ستخسر خزينة الدولة ملايير المداخيل “و عندها سيضطر المغاربة استيراد مشروبات كوكا كولا من اقرب منتج ملائم و هو في تركيا بالضبط”.

بالإضافة إلى هذا الجانب المادي هناك بعد ثقافي لمادة سنيدة الشهيرة في صنع حلويات الأعياد و الحفلات و موائد الشاي العائلية التي قد تصبح في حال الزيادة في ثمنها إلى الضعف، “مادة مقدسة داخل البيوت لا يمكن الاقتراب منها في أي وقت”، الشيء الذي قد يغير تقاليد الأسر المغربية في الاستهلاك و التجمعات، و يرفع من أثمنة منتوجاتها مما قد يؤزم مبيعات عدد كبير من الأفران و المخابز، ناهيك عن ارتفاع ثمن البوطاغاز الذي قد يصل إلى 200 درهم حسب تقلبات السوق و المضاربات و تأثير ذلك على طقوس و حجم الاستهلاك المغربي.

و عن أسباب هذا التوجه، يتحدث مصدرنا عن عودة قيادة البيجيدي إلى فكرة الدعم المباشر غير المدروسة، و التي تحتاج إلى ميزانية قدرها حوالي 11 مليار درهم سنويا تستفيد منها أزيد من مليون عائلة معوزة، بحسب 1000 درهم لكل أسرة. غير أن الخبير يرى أنه مع ارتفاع المواد الأساسية قد يصبح هذا المبلغ غير كافي لسد الحاجيات الأساسية، مما قد يؤدي إلى اعتباره مكسبا اجتماعيا لايمكن التراجع عنه و بالتالي ظهور الاحتجاجات من حين لآخر في شكل نقابي جديد من قبل هذه الفئة المستفيدة الجديدة للمطالبة بالزيادة في قدره ناهيك عن خلق عقلية من الكسل و التحايل للحصول على صفة المستفيد. و يرى الخبير نفسه أن هذا الحل هو “حل كسول غير مبدع”، في ظل وجود مخارج أخرى عادية و طبيعية لخلق فرص الشغل من خلال إحداث صناديق تضامنية جديدة تحفز على التشغيل الذاتي و المبادرة الحرة.

ملف آخر أكثر اشتعالا هذه الأيام و هو ملف معاشات البرلمانيين.هذا الملف المرتبط بصندوق أصبح مفلسا و أصبح مطالبا بالتصفية من قبل الفريق البرلماني لحزب العدالة و التنمية. عملية التصفية، حسب المصدر، تحتاج إلى مبلغ 12 مليار درهم، و أن أكبر المستفيدين سيكون نواب العدالة و التنمية، منهم من سيستفيد بأكثر من 70 مليون سنتيم على غرار المغادرة الطوعية. و علق المصدر على الأمر بأنه “لو فعلا كانت هناك نية الإصلاح و التعفف المالي لكان أعضاء البيجيدي قد طالبوا بالتصفية مع التنازل عن المقابل المادي على الأقل لفائدة المحاصرين في الثلوج و في العالم القروي”.

و تساءل المتحدث بخصوص نتائج و مخلفات أحوال الطقس و انخفاض درجات الحرارة و كثرة الثلوج و تضرر سكان البوادي، عن سر صمت نواب البيجيدي و الحكومة عن تطبيق القانون رقم 110.14 المتعلق بإحداث نظام لتغطية عواقب الوقائع الكارثية و بتغيير و تتميم القانون رقم 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات، و الذي “للأسف لم يفكر لا بنكيران و لا العثماني في تنزيل مراسيمه التنفيذية بعد مع كونه صدر في الجريدة الرسمية منذ سنتين و أصبح ملزما و حجة للمتضررين في اللجوء إلى القضاء”، و الذي يقر بضرورة إعطاء تعويضات، قدرها الخبير نفسه في مبلغ عام لكل المتضررين لا يتجاوز مبلغ  300 مليون درهم، أي أقل من 3% من المبلغ المطالب به في تصفية معاشات البرلمانيين،”و بدل أن يهتموا بهذا الوضع المستعجل أمام فقدان العائلات القروية لماشيتها و توقفها عن العمل، شرع النواب البيجيدي في خصومة حول معاشاتهم مطالبين بتصفية تقاعدهم في مبلغ يصل إلى 12 مليار درهم” حسب تعبيره.

إلى جانب هذه الملفات، هناك ملفات لا تقل أهمية، حسب الخبير ذاته، و من جملتها إحداث صندوق التماسك الاجتماعي و تحديد مفهوم الطبقة الميسورة الذي حدده الخبراء المغاربة في دراسات سلمت للحكومة، في الفئة التي يتجاوز مدخولها الشهري ثلاثون ألف درهم، غير أن بنكيران خلال ولايته كان له رأي آخر بدون دراسات علمية و ميدانية عن القدرة المعيشية،  أنها هي تلك التي تستفيد من مدخول شهري قدره 5000 درهم، “الشيء الذي قد يعد تعسفا و قسوة كبيرة في حال تطبيق مساهمة الأسر الميسورة في التعليم العمومي”. أيضا هناك ملف ارتفاع المديونية الخارجية إلى مستويات قياسية، و رفع نسبة الضرائب على البضائع الموجهة للفئات البسيطة و خفض بعضها على الفئات الغنية خصوصا في العقار، حيث تم تمرير تخفيض مهم في قانون مالية 2018 على العقارات المدمجة في المجال الحضري حديثا من 30% إلى 20%، ليظهر الوجه الليبرالي الفاحش للحكومة و عدم قدرتها على حل مشاكل المواطن و الحفاظ على قدرته الشرائية و تهديدا للسلم الاجتماعي.

و خلص الخبير المتحدث إلى أنه بالإضافة إلى التخبط السياسي و عدم الانسجام داخل الحكومة، فإنها أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على استقرار البلاد، و أصبحت حلولها تسير في تأزيم الوضع الاجتماعي و الاقتصادي و أصبح من الضروري إقالة هذه الحكومة بشكل عاجل قبل تفاقم مخلفات قراراتها التي لن يكون من السهل تفاديها أو معالجتها على المدى القريب.

2018-02-12 2018-02-12
bank populaire