إبراهيم حركي
عندما ترأس الملك محمد السادس خلال شهر أكتوبر من سنة 2009 بالقصر الملكي في الرباط مراسم تقديم الاستراتيجية من أجل مجتمع المعلومات و الاقتصاد الرقمي “المغرب الرقمي”، التي تتطلب رصد اعتمادات مالية بقيمة خمسة ملايير و 200 مليون درهم من ضمنها تمويل صندوق المغرب الرقمي بمبلغ 100 مليون درهم، كان المأمول من ذلك تحقيق الأهداف المرسومة و المحددة في خلق تحول إجتماعي؛ تقديم خدمات عامة؛ تشجيع استعمال المعلوميات من قبل المقاولات الصغرى و المتوسطة، و تطوير الصناعات المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات، غير أن قطار الصندوق زاغ عن الطريق المرسوم و أصبح يمول مواقع الكترونية لا تحترم القوانين.
و من خلال عملية بسيطة لتدقيق المشاريع التي مولها الصندوق، يتضح أن عددا من المقاولات الإعلامية التي استفادت من مبالغ كبيرة لا تقدم أية خدمة نوعية أو قيمة مضافة للثقافة الرقمية و المعلوماتية بالمغرب.كما أن من بين المقاولات المستفيدة من خصصت أموال الدعم في طرق مشبوهة و غير قانونية و مسيئة لصورة المغرب.و من بين هذه المقاولات الشركة صاحبة الموقع الإخباري الرياضي البطولة “El botola”، التي استفادت من مبلغ مقدر ب 350 ألف دولار أمريكي، أي حوالي ثلاثة ملايين درهم مغربي، لتتفرغ لقرصنة مباريات كرة القدم للشبكة القطرية beIN SPORTS ، على طريقة Streaming بدون الحصول على حقوق البث، كما يعتزم بث مباريات كأس العالم “روسيا 2018” بالطريقة المشبوهة نفسها.
و من أكبر شركاء الصندوق المساهمين فيه، تحت إشراف وزارة الصناعة و الاستثمار و التجارة و الاقتصاد الرقمي التي يرأسها التجمعي مولاي حفيظ العلمي، هناك البنك المغربي للتجارة الخارجية، التجاري وفابنك، صندوق الإيداع و التدبير، و البنك الشعبي المركزي.
المثير في الأمر أن الوزير ذاته عينه الملك محمد السادس في يناير الماضي رئيسا للجنة المكلفة بإعداد ملف ترشح المغرب لاحتضان مونديال 2026، في وقت يقوم الموقع الإلكتروني المشار إليه و الذي استفاد من دعم “المغرب الرقمي” بقرصنة يومية لبث مباريات قناة beIN SPORTS المالكة لحقوق بث كأس العالم في شمال إفريقيا و الشرق الأوسط و دول أوروبية مثل فرنسا و أندورا…
و حذرت مصادر مطلعة من تشويش عملية القرصنة على الملف المغربي لتنظيم كأس العالم 2026 أمام “الفيفا”، إذ أن الاتحاد الدولي لكرة القدم صارم في قضايا حقوق الملكية الفكرية و لا يتساهل أبدا مع قراصنة البث التلفزي لمباريات كرة القدم.
و تساءلت كيف يستطيع رئيس لجنة إعداد ملف ترشح المغرب الدفاع عن حظوظ المملكة في تنظيم المونديال و هو يدعم موقعا إلكترونيا يقوم بقرصنة قنوات “Bein sports” التي تملك الحقوق الحصرية لبث كأس العالم.
مصادر أخرى مطلعة على عمل الصندوق، أعربت عن استغرابها من صمت الوزير المعني و الإدارات المركزية للأبناك المغربية المساهمة في الصندوق، المفروض فيها افتحاص و متابعة جميع المشاريع التي يدعمونها حتى لا تستعمل في أغراض مشبوهة و غير قانونية قد تسيء لسمعتهم و شفافيتهم على المستوى الدولي، خصوصا و أن المملكة منخرطة في المنظمة العالمية للتجارة و صادقت على جميع الاتفاقيات و المواثيق المتعلقة بمنع عمليات القرصنة.
و من الأسئلة الحارقة الأخرى أنه لا أحد يدري كيف و أين صرفت ميزانية الإستراتيجية الرقمية، و هي تتجاوز الـ 5 مليارات دراهم. و قد سبق للمجلس الأعلى للحسابات أن أصدر تقريرا عن الموضوع، خلص الى عدم قدرته على تحديد طرق صرف تلك الملايير، و لا كيف صرفت، و هل صرفت احتراما للقوانين، أم بذّرت هكذا بذخا بدون نتائج ملموسة.
كما وقف تقرير المجلس على أن العديد من المشاريع اعتمدت و خصصت لها ميزانيات، و تم التراجع عنها لاحقا، و لم يعرف أين ذهبت مخصصاتها لعدم وجود أثر لها ضمن المنجزات الحكومية. كما سجل مجلس جطو اختلالات في إستراتيجية المغرب الرقمي، خاصة “وجود تأخير كبير في وتيرة إنجاز أولوياتها، إذ لم تتجاوز حصيلة إنجازات التحول الاجتماعي 11%، و الحكومة الإلكترونية بنسبة 36%، و صناعة تكنولوجيا المعلومات بنسبة 27 %”.