رسالة إلى السيد محمد عبدالنباوي رئيس النيابة العامة من الأستاذ النقيب عبدالرحيم الجامعي والأستاذ عبدالعزيز النويضي
توضيح لا بد منه
السيد رئيس النيابة العامة و الوكيل العام للملك بمحكمة النقض نود في البداية أن نشكركم على دعوتنا إلى حضور البرنامج التلفزيوني بالقناة الأولى، الذي استضافكم يوم الثلاثاء 3 يوليوز الماضي. و حيث أن أجوبتكم تضمنت أحيانا بعض الآراء و المعلومات بخصوص قضايا لازالت جارية أمام المحاكم، و التي كنا مدافعين فيها عن المتهمين أو نائبين عنهم في شكايات تقدموا بها؛ و القضية كما يعلم الرأي العام تتعلق بالمعتقلين في قضية حراك الريف، و التي تابعها الرأي العام الوطني والدولي؛ و حيث أن صيغة البرنامج لم تكن تسمح لنا بالتدخل لتوضيح الأمور و رفع اللبس أمام الرأي العام؛ فلم يبق لنا سوى أن نوجه إليكم هذه الرسالة المفتوحة ليعلم الرأي العام، و كل مهتم أننا لا نزكي بعض الأمور التي وردت في تصريحاتكم بخصوص قضايا لازال مطعونا فيها بالاستئناف أمام المحاكم؛
أولا: حول الأحكام في ملف الريف
لقد تدخلتم بالتعليق على الأحكام التي صدرت في ملف المتهمين في أحداث حراك الريف، تلك الأحكام التي وصلت إلى عشرين سنة سجنا في حق عدد من المتهمين، و بررتموها بكونها مخففة لأن عقوبتها تصل إلى الإعدام، و تحدثتم، كذلك، عن عدم إمكانية القاضي النزول عن الأحكام إلخ… كما أشرتم إلى طبيعة المتابعات، و منها المؤامرة ومحاولة القتل والاعتداء على القوات العمومية … إنكم تعلمون أنه من حيث الشكل ليس من حقكم بحكم موقعكم التعليق على أحكام لازالت معروضة على القضاء، و سنعود لهذه النقطة لاحقا؛ و من حيث الموضوع، فإنكم لم تكونوا في محاضرة بالجامعة لتفسروا للطلاب معنى السلطة التقديرية للقاضي في تحديد مقدار العقوبة بشكل مجرد، بل كنتم في حديث مباشر أمام الرأي العام الذي لازال مصدوما بتلك الأحكام، و ما أثارته لدى العديد من الفاعلين السياسيين، بما في ذلك زعماء أحزاب سياسية ووزراء في الحكومة، و لدى العديد من المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية التي يعلم الجميع مصداقيتها و وزنها… لقد افترضت أحكامكم التقييمية في البرنامج أن المحاكمة كانت عادلة، و أنتم تعلمون بدون شك جدية الدفوعات التي أثارها الدفاع، و التي اعترضت عليها النيابة العامة باستمرار و زكاها الحكم الابتدائي، الذي بني، أساسا، على محاضر الشرطة القضائية المطعون في مشروعيتها، و التي اعتمدتها النيابة العامة و دافعت عنها دون أي تحفظ؛ لقد رفض طلب الدفاع بضم تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان للملف، و هو المجلس الذي انتدب خبراء معترف بهم دوليا في مجال الطب الشرعي، فأكدوا حصول التعذيب في حق عدد من المعتقلين. وهنا لم تتم مراعاة القانون المغربي، ولا التزامات المغرب الدولية، وخاصة اتفاقية مناهضة التعذيب التي توجب إجراء تحقيق سريع فعال ونزيه من جهة مستقلة، للتأكد من وجود التعذيب ومتابعة مرتكبيه قضائيا وإدانتهم بما يتناسب وخطورة الأفعال. وقد تحدث المعتقلون أمام المحكمة بإسهاب عن كيفية طبخ المحاضر، و عن الضغوطات و التدليس الذي قامت به الشرطة القضائية، هذه المحاضر التي بنيت عليها الأحكام التي ضربت صفحا على تصريحات المتهمين أمام قاضي التحقيق و أمام هيئة المحكمة. ولقد استمعنا إلى شهادات أكد أصحابها براءة متهمين مما نسب إليهم، و أتينا بأدلة تبين أن الأموال التي أرسلت من أهالي و أصدقاء لا علاقة لها بتمويل حراك يستهدف انفصالا مزعوما أو ثورة يتآمر المتهمون للقيام بها . و نحن نعلم أن ملف المهدوي ضم قسرا لملف المعتقلين لتبرير رواية المؤامرة و الدعم الخارجي، فالشخص المشبوه تحدث عن إدخال دبابات و أسلحة و زعم إرسال أموال، كان الهدف من ذلك تمرير رواية محرري المحاضر للرأي العام . و قد أوضح الدفاع عبث هذه الرواية و عدم جدية النيابة العامة في التعامل معها، حيث تقاعست عن المطالبة بتسليمه عبر وسائل التعاون القضائي الدولى، كما فعلت في قضايا أخرى أنتم تعلمونها جيدا. ثانيا، الشكاية المباشرة المتعلقة بنشر فيديو الزفزافي عاريا السيد رئيس النيابة العامة و الوكيل العام للملك بمحكمة النقض، لقد تدخلتم، أيضا، في ذلك البرنامج في ملف ثان لازال معروضا على القضاء يهم الشكاية المباشرة حول تعرية الزفزافي و نشر صورته على أحد المواقع الإلكترونية. و خلافا لتصريحاتكم التي زعمتم فيها أن الشكاية لم تتضمن وسائل الإثبات و أن المحكمة رفضت الدعوى، فإن وسائل إثبات قدمت، و من ضمنها القرص المدمج، وقد دون ذلك في الحكم الابتدائي، كما أن الدفاع، وكذا النيابة العامة قد استأنفا هذا الحكم. وللإشارة، فإن القاضي المصدر للحكم اعتبر أن نشر فيديو ناصر الزفزافي وهو عاري، ودون موافقته لا يشكل في نظره مسا بالكرامة أو بالحق في الصورة، وأن النشر كان فقط، للاطمئنان على صحته وسلامته الجسدية. وما كنا لنثير لهذا الأمر لولا تدخلكم في البرنامج التلفزيوني وشعورنا بعدم اطلاعكم على كل عناصر الملف، كما اعترفتم بذلك، ومع ذلك أمددتم الرأي العام بمعطيات خاطئة. وهنا نسائل الحكم: أليست تعرية أي شخص سواء بالسجن أو بمخافر الشرطة أو غيرها، وتسريب صوره ونشرها على العموم بدون موافقته انتهاكا للكرامة وخرقا فاضحا للقانون، وخاصة المادة 89 من قانون الصحافة والنشر؟ ولقد استغربنا بالمناسبة مما جاء على لسانكم من كون البحث الذي فتحتموه في شأن عملية تسريب الفيديو لاقى صعوبات بسبب نقل الأرشيف من مقر الفرقة الوطنية إلى مقرها الجديد و تعذر معرفة من سرب الفيديو، و هذا عذر غير مقبول لأن مسؤولية تسريب الفيديو، الذي صور لدى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية كما أخبرنا موكلنا، يقع على هذه الفرقة برمتها. مسؤوليتكم عن التدخل في القضاء و الأسئلة الكبرى السيد رئيس النيابة العامة و الوكيل العام للملك بمحكمة النقض، إننا نعتبر تعليقكم، و أنتم رئيس النيابة العامة والوكيل العام للملك بمحكمة النقض على أحكام و قضايا لازالت جارية أمام المحاكم، محاولة للتأثير على القضاء و تدخلا غير مشروع في شؤونه؛ فكيف تسمحون لأنفسكم بالتعليق على هذه الأحكام، و من موقعكم الذي يحتم عليكم أكثر من غيركم واجب التحفظ؟ ألم تقرؤوا ما ورد في الفصل 109 من الدستور الذي يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء ويعاقب على كل تدخل غير مشروع؟ ألم تفكروا في مراعاة قرينة البراءة التي جاء بها الفصل الأول من قانون المسطرة الجنائية، والذي ينص على أن كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمقرر “مكتسب لقوة الشيء المقضي به”، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية”؟ طبقا لهذا الفصل، فالمتهمون يعتبرون أبرياء إلى أن تثبت إدانتهم بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به؟ و بسبب مواقفكم هذه نحن نتساءل: كيف ستتصرفون عندما يتم النقض في هذه الأحكام، وأنتم في الوقت نفسه الوكيل العام للملك بمحكمة النقض؟ هل تتوفرون على الحياد المطلوب في هذه القضايا؟ إن هذا الأمر يطرح أسئلة أعمق حول ازدواجية القبعة التي تلبسونها. إننا لا ننازع في كفاءتكم، ولكننا نسائل استقلالكم، ليس عن الأحزاب أو عن الحكومة التي لا سلطة لها، بل عن مراكز القرار الحقيقية في البلاد. نسائل حيادكم السياسي لأن مراكز القرار هذه لها أفضليات واختيارات سياسية، و ليست محايدة في الصراع السياسي وتمسك بأهم اختصاصات السلطة التنفيذية. إن هذا ما يفسر مواقفنا الصريحة خلال النقاشات التي جرت داخل الهيئة العليا للحوار الوطني حول العدالة، والتي جعلتنا من بين أمور أخرى نختلف مع الأغلبية حول نزع صلاحية تعيينكم من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية طبقا لما ينص عليه الفصل 57 من الدستور. كما كنا ضمن أقلية ومعنا المرحوم مصطفى التراب، الرئيس الأول السابق لمحكمة الاستئناف الإدارية، من المدافعين عن ضرورة إحداث مجلس الدولة كضمانة إضافية لاستقلال القضاء، وهو الإحداث الذي وعد به الملك في خطاب يرجع لسنة 1999 حول تتويج هرم القضاء الإداري بإحداث مجلس الدولة. فإذا طعن قاض أمام الغرفة الإدارية بمحكمة النقض في قرار فردي يمس بحقوقه، هل سيتم إنصافه؟ لا نقول إن ذلك مستحيلا، ولكن كيف لقضاة يمكنكم التأثير على وضعيتهم من خلال مركزكم في المجلس الأعلى للسلطة القضائية أن ينتصروا لقاض تضرر من قرار، قد يكون تأديبيا، ساهمتم فيه داخل هذا المجلس الذي تحتلون فيه موقعا مرموقا، وفي الوقت نفسه سيجدكم أمامه في محكمة النقض؟ كيف سيطبق مبدأ ربط السلطة بالمحاسبة بالنسبة إلى وضعيتكم؟ السيد رئيس النيابة العامة والوكيل العام للملك بمحكمة النقض إننا نتساءل مع كثير من الفاعلين كيف سيطبق مبدأ ربط السلطة بالمحاسبة بالنسبة إلى وضعيتكم فيما تتخذونه من مبادرات ومواقف؟ لقد قلتم إن من يحاسبكم ليس البرلمان، ولكن الملك كرئيس للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، إضافة إلى هذا المجلس الذي لا يعد جهازا قياديا للقضاة كما صرحتم مؤخرا لإحدى الجرائد. بل إنه جهاز إداري، وبالأحرى سلطة إدارية تدبر المسار المهني للقضاة وتمارس الاختصاصات التي أوكلها لها الدستور والقانون التنظيمي. وإن قراراتها المؤثرة في مراكز القضاة قابلة للطعن باعتبارها قرارات إدارية. كما أن القضاة يجسدون وحدهم السلطة القضائية فرادى أو كهيئات للحكم. ولا سلطان لأحد عليهم إلا سلطان القانون. وكرئيس للنيابة العامة، فإننا نأمل أن تكون هناك، أيضا، سلطات أخرى تحاسبكم انطلاقا من مبدأ ربط السلطة بالمحاسبة. فإذا لم يحاسبكم أحد، فإن هذا يشكل خطرا على الحقوق والحريات. ولهذا سنبقى من جهتنا مخلصين لمهمتنا في الدفاع عن موكلينا، بل وعن استقلال القضاء لأنه حق للمتقاضين قبل أن يكون حقا للقضاة أو للنيابة العامة. وإن احترامنا للقضاء بكل مكوناته هو ما يحملنا على النضال من أجل أن يتبوأ رجاله ونساؤه المكانة اللائقة، وأن يدافعوا عن استقلالهم فرادى أو ضمن هيئاتهم المهنية وسيجدون الدعم من كل الهيئات والجمعيات المدنية النزيهة والمستقلة، حتى يكونوا فعليا حماة للحقوق والحريات.
الرباط 09/07/2018