إدريس البصري و سائق الطاكسي… (حكاية واقعية لم أضف إليها شيئا من بهارات الخيال)

5٬192 مشاهدة
غير معروف

ما تزال عاصمة الثورة والأنوار تعيش على وقع إضراب يشل وسائل النقل العمومية منذ أسبوعين، اضطررت اليوم إلى الاستيقاض في الخامسة صباحا (طبيعة عملي تقتضي الاشتغال في أحيان كثيرة أيام السبت). نجحت في الوصول إلى محطة الشمال Gare du Nord في حوالي السابعة والنصف لكني ظللت عالقة هناك حتى التاسعة والنصف. كل تطبيقات سيارات الأجرة لم تجدي، أحجز عبر التطبيق ليلغي السائق الحجز في آخر لحظة. الوقت يتقدم وعلي الوصول إلى مقر العمل قبل العاشرة على الأقل، مع أن ساعة العمل تبدأ في تمام التاسعة. توجهت إلى الرصيف المقابل للمحطة حيث ترابط سيارات الأجرة التي تقل عادة السياح ممن لفظهم القطار القادم من مطار شارل دوغول. كان هناك رجل في السبعين من العمر، متقاعد ويشتغل كسائق سيارة أجرة لدى شركة خاصة. – صباح الخير سيدي، بكم تكلف الرحلة تقريبا باتجاه كريتاي (Créteil)؟ بادرته. – صباح الخير سيدتي، لا أدري الأمر يتعلق بالعداد. قال. ترددت في البداية لأجدني أرمي بجسدي في المقعد الخلفي وننطلق. رحلة دامت حوالي نصف ساعة أخبرني فيها أنه مغربي الأصل من الدار البيضاء كان يشتغل سائق قطار قبل أن يهاجر إلى فرنسا منذ حوالي 40 سنة. تحدثنا عن أحوال البلاد، فهمت من حديثه أنه يتحدر من عائلة سطاتية ميسورة وأن والدة وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري، التي قال إنها كانت تدعى يزة، كانت تشتغل خادمة لدى أسرته. – كانت تأتي على ظهر حمار من دوار علي مومن إلى سطات وكلما همت بالعودة مساء تلح عليها والدتي لاصطحاب قفة محملة بالطعام لتعيل صغارها. مضى الزمن سريعا ومرت مياه كثيرة تحت الجسر، أصبح ابن الخادمة يزة المسؤول الأول عن جهاز المخابرات في البلاد، ثم الصدر الأعظم في جهاز المخزن في ما بعد. يحكي السائق أنه التقى البصري مرات عديدة في باريس وكان يطلب منه تزويده بماركة معروفة من الأحذية الإيطالية. – إيييي وي، كنت كنسبطو، الزمن تيدور آبنتي و شفتي كيف تلات بيه الأيام كان غادي يتسطى كاع! نعم إدريس البصري الذي انتقم لأصوله الفقيرة من كل أبناء الشعب، خاصة مناضلي اليسار الذين ناضلو من أجل العدالة الاجتماعية. كان يحقد بشكل غريب على أبناء طبقته وتحول إلى عبد طيع في يد الحسن الثاني. شتت أحزابا وصنع أخرى، اشترى عددا من المعارضين المقيمين في حانات البيضاء والرباط، كما ألب الإخوة ضد بعضهم البعض، و لما دار الزمن ركله القصر مثل أي كلب أجرب. صوب الرجل الطلقات في كل الجهات، لكن شظاياها لم تصب غيره. حتى أنه كاد يصاب بالجنون إن لم يكن قد جن فعلا، وكأن القصر أراد تذكيره من حيث أتى، وكأنه يقول له لست سوى “ابن عوام حقير” لا يمكنه التطاول على أسياده فعد من حيث أتيت. وصلت إلى مكان عملي، دفعت حوالي 50 يورو كثمن للرحلة، مبلغ باهض جدا لأن الانخراط الشهري في وسائل النقل العمومية لا يتعدى 75 يورو تتنقل من خلاله في كل جهات جزيرة فرنسا Île de France، لكن حكاية السائق مع البصري تستحق. العبرة من كل هذا؟ الزمن دوار لا يرحم فارحموا أبناء وطنكم يرحمونكم. لا تقتلو الرحمة في قلوبهم فقد يأتي عليكم يوم أسوأ من أيام إدريس البصري و الملك لويس السادس عشر وماري أنطوانيت.

2019-12-15 2019-12-15
bank populaire