في مثل هذا اليوم، 23 يوليو من سنة 1999، توفي ملك المغرب الحسن الثاني بعد صراع مكتوم مع سرطان الكبد، إذ سُوقت الوفاة على أنها بنوبة قلبية حادة.
كان الحسن داهية، مثقفا، وذو علاقات واسعة، لكنه أيضا كان ملكا صدقت فيه آية من آيات القرآن الكريم: ” إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون”صدق الله العظيم.
إحتل الحسن الثاني رحمه الله الصحراء الغربية طمعا في ثرواتها، وتوريطاً لجيشه الذي انقلب قادته عليه مرتين 1971- 1972″واعتقادا منه بأن البدو الرحل في الصحراء الغربية من الضعف والهوان ما يحول بينهم وبين مقاومة الاحتلال وجبروته.
وصف الحسن الثاني عملية اجتياحه للصحراء الغربية بأنها نزهة أسبوع، ودعا جنوده إلى احترام الإسبان الذين وقعوا معه وموريتانيا إتفاقية مدريد لتقسيم الصحراء الغربية، دعاهم لتقاسم الزاد مع الجنود الإسبان وقتل المقاتلين والمواطنين الصحراويين في خطاب متلفز ” التسجيل موجود لمن أراد التأكد ”
بذلك التاريخ المشؤوم من خريف 1975، شرد الحسن الثاني آلاف الصحراويين العزل، أخرجهم من قراهم ومدنهم بالعيون والسمارة وغيرهما، وطاردهم ببوادي التفاريتي وأم أدريگة بطائراته التي قصفتهم بالنابالم والفوسفور، ذلك التشريد الذي أوصلهم إلى لجوء وشتات طويلين لم ينقضيا بعد.
وبقلعة مگونة وتازمامارت وآكدز، دفن جنود الحسن الثاني عشرات الشهداء الصحراويين الذين قضوا نحبهم تحت سياط جلادي الملك” الداهية، الأنيق “، هناك بتلك المخابئ السرية تحللت أجساد المعتقلين السياسين الصحراويين، وفي عنق الحسن الثاني مصير أكثر من خمسمائة مفقود صحراوي لا أحد يعرف عنهم شيئا.
في مثل هذا اليوم من عام 1999 قامت قيامة الحسن الثاني، وموت ابن آدم قيامته، وقد استغرقت نزهة الأسبوع التي وعد بها جنوده ربع قرن، قضى أكثر من نصفه تحت هول الحرب وفواجعها، واضطر فيها لرفع الراية البيضاء والدعوة لوقف الحرب وتنظيم استفتاء تقرير مصير الشعب الصحراوي.
توفي الحسن الثاني ولم يبت ليلة واحدة من عمره بالعيون المحتلة، ولم ينتجع بشواطئ الداخلة الساحرة ولم يضع حجر أساس لقصر من قصوره الألف بأي مكان من الصحراء الغربية، لكنه بنى أكبر وأخطر وأطول جدار تقسيم عرفه التاريخ المعاصر، ولغمه بأكثر من سبعة ملايين لغم مضاد للبشر والأليات، يحصد يوميا العشرات من أرواح الصحراويين ويهلك سنويا مئات رؤوس الغنم والإبل، جدار رهيب، ستبقى ألغامه تبيد الحياة بالصحراء الغربية لعقود طويلة قادمة، لا مفر من تهديدها حتى بزواله.
ورّث الحسن الثاني نجله عرشا عريقا، مرصعا بالكيد والدسائس والمظالم، ترك له عشرات القصور المطلية بعرق الرعايا المساكين وأحلامهم، وأطنان النقود المنقوشة بأوجاع ملايين المغاربة المخلوقين لخدمة العرش فقط، وورثه ظلما متناسلا، متجددا جيلا بعد جيل، ظلما لا يغفره الله عز وجل وقد حرمه على نفسه، وهناك بين يدي الله حيث لا ينفع غير عمل صالح، وعمل الحسن الثاني الأكبر احتلاله أرض الصحراء الغربية، وصدقة جارية، وليس للحسن الثاني من صدقة نافعة مع وبال جدار الألغام بالصحراء الغربية، وولد صالح يدعو بخير وولد الحسن الثاني مشغول بأهوال دنياه.
بعث الشهيد محمد عبد العزيز رحمه الله رسالة تعزية لورثة الحسن الثاني، دعا له فيها بالرحمة كحق الميت المسلم على أخيه الحي، وبدوري اليوم بذكرى وفاته أدعو له بالرحمة والمغفرة مع يقيني أنه يحتاج غفرانا صحراويا جماعيا وهذا بعيد المنال.
النانة لبات الرشيد