كشف الممثل الخاص المكلف بقضية الصحراء الغربية والمغرب العربي عمار بلاني ان الجزائر لن تقف مكتوفة الأيدي ولن تتوانى أبدا في استخدام كافة الأساليب المشروعة والآليات القانونية للدفاع عن الحقوق المهضومة للمئات من المواطنين الجزائريين الذين جرّدوا من ممتلكاتهم دون أي تعويض.
واكد المسؤول الجزائري في مقال ان الدولة الجزائرية ستبادر، في هذا الصدد، بتوجيه كافة أشكال الدعم للجمعيات التي تتولى الدفاع عن حقوق هؤلاء الضحايا بغرض تمكينها من إسماع صوتهم والتأسّس كطرف مدني في الدعاوى التي سترفع مستقبلا ضد السلطات المغربية أمام مختلف الهيئات الدولية لاسترجاع حقوقهم
وفيمايلي نص المقال :
في خضّم حملاتها العدائية المسعورة والمتواصلة ضدّ الجزائر، عادت مؤخرا أبواق وأقلام المخزن المغربي المدمنة على كره الجزائر والحقد على رموزها وشعبها، لممارسة هوايتها البائسة في تكرار نفس الدعاية المغرضة والمضللة بشأن مزاعم “ممتلكات المغاربة في الجزائر”.
إن هذه الأبواق الحاقدة تحاول عبثا، كما دأبت على ذلك دوما، إظهار المغرب في ثوب الضحية والمظلوم في هذا الملف، عبر تزوير فاضح للوقائع والقفز على الحقائق التاريخية المثبتة بالوثائق والمستندات.
لقد سعى الجانب المغربي دوما، خلال إثارته لموضوع المغاربة الذين غادروا الجزائر سنة 1975، لمغالطة الرأي العام في كلا البلدين وعلى الصعيد الدولي، وحاول طمس الحقيقة بالحديث عن ممتلكات مزعومة لهؤلاء الرعايا قد تمّت مصادرتها من طرف السلطات الجزائرية.
في حين أنّ الأغلبية العظمى من هؤلاء لم يكونوا من أصحاب الممتلكات الشخصية في الجزائر، بل مجرّد عمّال وحرفيين بسطاء وحتى خمّاسين، مستأجرين لعقارات ويشتغلون في أراض تعود ملكيتها للدولة الجزائرية أو لأطراف ثالثة
بالمقابل، تعرّض مئات المواطنين الجزائريين المقيمين بالمملكة المغربية، خلال نفس الفترة الزمنية، لإجراءات تعسفية ظالمة ومجحفة، حيث طردوا من المغرب وصودرت ممتلكاتهم وأملاكهم العقارية ذات الطابع الزراعي دون الحصول على تعويض.
كما أقدمت السلطات المغربية، بتاريخ 2 مارس 1973، بموجب الظهير الملكي المؤرخ في نفس اليوم والمتضمن القانون رقم 1-73 المتعلق بنقل الأملاك المصادرة إلى ملكية الدولة، على تأميم آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية ومئات الممتلكات والعقارات العائدة لملكية عائلات جزائرية عريقة تعيش بالمغرب، ليتم وضعها لاحقا تحت تصرف جهاز عقاري حكومي يدعى SOGETA، دون أي تعويض لهذه العائلات المتضررة.
ومن المهم هنا، التوضيح أن الأراضي التي يملكها الجزائريون قد تم اقتناؤها عبر تعاملات تجارية حرة، في حين أن أغلب الأراضي المنتزعة من الرعايا الأوروبيين، تحصّلوا عليها تحت نظام الانتداب.
وفضلا عن كونها تعدّيا واضحا على حق الملكية الذي تكفله المواثيق الدولية، تعدّ مصادرة أملاك الجزائريين خرقا صارخا، ليس فقط للاتفاقيات الجزائرية المغربية، لاسيما معاهدة إيفران الموقع عليها يوم 15 جانفي 1969 واتفاقية الاستيطان الموقعة يوم 15 مارس 1963 والبروتوكول الملحق، المعدّل والمكمّل لأحكام هذه الاتفاقية الموقع عليها بإيفران يوم 15 فيفري 1969، بل أيضا للقوانين المغربية نفسها، خاصة أحكام الظهير الملكي المؤرخ في 2 مارس 1973 المتعلقة بالإجراءات التعويضية لفائدة ملاك الأراضي المؤمّمة.
والأدهى والأمّر في كل هذا، أن السلطات المغربية استثنت الملاك الجزائريين من إجراءات التعويض إلى يومنا هذا، في حين قامت الرباط ابتداء من سنة 1974 بالتوقيع على اتفاقيات ثنائية، تحت مسمّى “تسوية الآثار المالية الناتجة عن تطبيق الظهير الملكي لعام 1973″، مع العديد من الدول الأوروبية التي ينتمي إليها الرعايا الأجانب المنتزع منهم ملكياتهم بهدف تحديد قيمة التعويضات وكيفيات صبّها لمستحقيها، على غرار فرنسا (1974)، بلجيكا (1976)، إسبانيا (1979)، المملكة المتحدة (1981) وهولندا (1995).
وعلى النقيض من ذلك، أمعنت السلطات المغربية في ظلمها للملاك الجزائريين، وأصدرت وزارتا الداخلية والزراعة تعليمات بتاريخ 29 جويلية 1974 و20 أوت 1974 على التوالي للسلطات المحلية بالسماح للملاك الجزائريين من الاستفادة من حق الانتفاع فحسب، وليس حق الملكية، بأراض زراعية لا تتجاوز مساحتها 10 هكتارات فقط. وحتى هذا الحق الأدنى الممنوح لم يتم احترامه هو أيضا.
ويعكس هذا التعامل التمييزي العنصري والفضّ، الحقد الدفين الذي يُكنّه المخزن للجزائر والجزائريين، فضلا عن أنه يفضح بشكل قاطع كذب سياسة اليد الممدودة التي يدّعيها ويناقض إرادته المزعومة لتطبيع العلاقات مع بلادنا.
وتواصلت هذه السياسة العدوانية والعنصرية ضد الجزائريين، حينما تحجّجت السلطات المغربية خلال سنة 1994 بحجة زائفة وهي العملية الإرهابية في مراكش، لتقوم بطرد آلاف الجزائريين من المغرب، بمن في ذلك المقيمون بصفة قانونية والحاملون لتصاريح إقامة، كما انتزعت منهم أملاكهم وأموالهم، لتضاف إلى السجل الطويل من الأملاك والعقارات (عمارات، مبان، شركات، قطع أراض..) العائدة إلى الدولة الجزائرية وإلى مواطنين جزائريين، التي استحوذ عليها المخزن بشكل تعسّفي وغير قانوني.
وعلى الرغم من هذا السلوك المغربي العدواني، عبّرت الجزائر دوما عن استعدادها الكامل لتسوية هذا الملف بكل حسن نية. فبادرت سنة 2003، بطلب إنشاء لجنة قنصلية واجتماعية مختلطة لتسوية النزاع العقاري بين البلدين.
ولقد اجتمعت هذه اللجنة بالفعل خلال مناسبتين، على التوالي في 25 جوان 2003 في الجزائر العاصمة وفي الرباط يوم 21 جوان 2003، اتفق على إثرهما الجانبان على تسوية ملف المنازعات المتعلقة بالملكية، على أساس المعاملة بالمثل. لكن للأسف، تملّص الطرف المغربي، كعادته، من الوفاء بالتزاماته، وبقيت هذه الأخيرة دون تجسيد، بعد قيام الرباط بتجميد هذه الآلية كلية على خلفية الإعلان عن خطة بيكر لتسوية النزاع في الصحراء الغربية يوم 31 جويلية 2003.
لقد غلّبت السلطات العليا بالجزائر طويلا صوت الحكمة في تعاملها مع ملف الجزائريين المنزوعة أملاكهم تعسّفا وظلما في المغرب، التزاما منها بقيم الأخوة ومبادئ حسن الجوار، إلا أن هذا الموقف الحكيم قُوبل بإمعان المملكة المغربية في رفضها المتعنّت وغير المبرر لتسوية شاملة وعادلة لهذه القضية، بل وبمحاولة عبثية لتزوير الحقائق وللضغط على بلادنا عبر جمعيات مناوئة في المحافل الدولية بخصوص موضوع المغاربة الذين غادروا الجزائر سنة 1975.
وأمام هذا الوضع، فإن الجزائر لن تقف مكتوفة الأيدي ولن تتوانى أبدا في استخدام كافة الأساليب المشروعة والآليات القانونية للدفاع عن الحقوق المهضومة للمئات من المواطنين الجزائريين الذين جرّدوا من ممتلكاتهم دون أي تعويض. وستبادر، في هذا الصدد، بتوجيه كافة أشكال الدعم للجمعيات التي تتولى الدفاع عن حقوق هؤلاء الضحايا بغرض تمكينها من إسماع صوتهم والتأسّس كطرف مدني في الدعاوى التي سترفع مستقبلا ضد السلطات المغربية أمام مختلف الهيئات الدولية لاسترجاع حقوقهم
بقلم: السفير عمار بلاني